تقرير حول كتاب "اللغة والثقافة". تأليف كلير كرامش


: تقرير حول كتاب "اللغة والثقافة" تأليف: كلير كرامش


 الطالب الباحث: بن واحي لحسن
   كلية: الآداب والعلوم الإنسانية، القنيطرة،
  ماستر: اللهجات العربية والأدب الشفهي بالمغرب

قراءة في كتاب

     الكتاب الذي نقدم تقريره للقارئ للكاتبة الألمانية "كلير كرامش" المعنون ب"اللغة والثقافة"، ترجمة د.أحمد الشيمي، مراجعة د.عبد الودود العمراني، الناشر: وزارة لثقافة والفنون والتراث قطر، الطبعة العربية الاولى2010، عدد صفحاته 229.
    وضع مقدمة الكتاب مرزوق بشير مرزوق، أشار فيها أن مسألة العلاقة بين اللغة والثقافة، ظهرت منذ  فرضية النسبية اللغوية لسابير ولف[1]. كما وضع تصدير الكتاب هنري وديسن مشيرا إلى أهمية علم اللغة وضرورة التمكن من المصطلحات الأولية للتعمق في أي دراسة.
    عالجت كرامش في البداية  قضية علاقة اللغة بالثقافة (cultur ) فذهبت  إلى أن اللغة هي التي ندبّر بها حياتنا، وعبر التواصل تعقد الصلة بينها وبين الثقافة، كما أشارت في نفس السياق إلى أنّ اللغة بارتباطها مع الطبيعة nature قد تمنح الخلود لعناصرها، كالوردة مثلا في قصيدة إملي دكنسون:[Emily Dickinson) [2)، وبالنظر إلى مجتمعات الخطاب هناك أساليب مشتركة تميّز استخدام أعضاء جماعة اجتماعية معينة  للغة  بغية تحقيق أغراضهم أي ما سمّته الكاتبة  لُكنة الخطاب:[discourse accent)  [3)، وتعبّر هذه الجماعة عن طريق لغتها على تاريخ ثقافتها وما أنتجته عبر الزمن، وبلغتها أيضا تتصل بثقافة الخيال التي تحكم قرارات الناس، وتقوم النّسبية اللغوية بربط اللغة بالثقافة بوصفها مشفّرة دلاليا في اللغة نفسها وتظهر هذه النظرية في الاستخدام الفعلي للغة. 
     إن المعنى يتحقق في دلالة الألفاظ وما تُحدثه اللغة في سياق ما، والعلامة اللغوية تستخدم دال  (signifier) ومدلول (signified ) لإنتاج المعنى، وقد تميل أعضاء جماعة ما إلى استعمال العلامات لأجل تشفير خبراتهم للدلالة على الواقع وتحليله بطرق مختلفة، إضافة إلى ذلك يمكن للكلمات أن تعمل كأيقونات محمّلة بالدّلالات الثقافية عند إشارتها إلى المفاهيم والأشياء، التي تقوم المحاكاة الصوتية بتوثيق الصلة بينها وبين الأصوات لأبناء ثقافة معينة، زد على ذلك أن الكلمة بوصفها علامة تتصل بعلامات أخرى تمنحها دلالة داخل النص أو في السياق مما يخلق تماسكا دلاليا، أضف إلى ذلك أن العلامة اللغوية ليست تعسفية بل ضرورة من ضرورات الطبيعة، وأثناء فصل علامة لغوية ما عن سياقها الأصلي يفقدها  ذلك معناها المتكامل فتصير مجرد اختصارات رمزية.
      أشارت الكاتبة إل أن سياق الموقف (context of situation ) يرتبط  بالمعنى الثقافي لدى المتحدثين والمستمعين، نتيجة أفعال وتفاعلات فيما بينهم في سياقات تحت إطار ما يسمى  بالسياق الثقافي، ويقوم مستخدمو اللغة بتوقع سلوك معيّن من الآخرين استنادا إلى معرفتهم، لأجل استباق التفسيرات وهذا ما يطلق عليه بالبنى الكبرى[schemata)  [4)،  كما يلجأ المتكلمين في خطابهم مع مستمعيهم إلى استعمال إشارات مساقية – كالنّبر والنظر- لتفسير ما يقولونه، وهذا ما يساعد في صنع استدلالات سياقية، وتمنح الإشارات المساقية للتبادل الحواري التماسك الدلالي المطلوب، ويبقي المشاركون على هذا التماسك اللفظي عن طريق اتباع مبدأ التعاون الحواري، لبناء الأدوار الموغلة في التفاعل الاجتماعي بوصفهم أعضاء في مجتمع خطاب ما، أي الأعراف الثقافية للجماعة التي ينتمون إليها. 
       واسترسالا لما قدمناه، طرحت الكاتبة مسألة اللغة المنطوقة والثقافة الشفاهية، فالوسيلة المنطوقة  ترتبط بزمن التلفظ في حين أن الكتابية تعني الوصل بين العقل واليدين، إضافة أن الكلام المنطوق تكون فيه إضافات وتكرارات بسبب طبيعته الحسّاسة للحوار، كما أن الكلام مقيّد بالسياق بحكم ارتباطه بالموقف الرّاهن، عكس الكتابة فهي تتطلب تماسكا وقوانين كما أنها محذوفة السياق،  تجدر الإشارة إلى أن الناس يستخدمون مجموعة من الكلمات الإشارية التي تحدّد وضعيتهم الإجتماعية والثقافية، علما أن الثقافات تتسم بكونها شفهية بدرجات متفاوتة وكتابية بدرجات متفاوتة أيضا، وعبر المحادثات يتطلب اختيار الملامح الشفاهية في المبادلات اللفظية المباشرة لحصول انهماك بيشخصي  [5] (interpersonal) بين المتحاورين، من خلال الطريقة التي يتعاونون بها في عملية تحسين الوجه (face work ) داخل جملة من أنواع خطاب ما، وتبقى الثقافة دائما تترك بصمتها على الأساليب الحوارية. 
    وفي السياق ذاته بيّنت كرامش أن التراث تحول جراء اختراع الكتابة من الشفاهية إلى الكتابية وبذلك حافظت –الكتابية- على التراث التاريخي للأمم ووجّهت الذاكرة الجمعية إلى تفسير الأحداث، وترتبط هذه الكتابية ارتباطا وثيقا بالقيم والممارسات الاجتماعات، علما أن السلطة المؤسسية هي التي تضمن الاستمرار الثقافي، إذ ينبغي النظر إلى اللغة كنص وكعملية تفاعلية استدلالية بين النص وقارئه أي خطاب، وقد أسست مجتمعات خطاب مقاييس معيارية للحوادث الكتابية والأنواع منطوقة كانت أو مطبوعة في إطار الحدود التي وضعتها هذه المجتمعات.
     طُرحت كرامش أيضا  مسألة الهوية واللغة الثقافية،  حيث أشارت إلى وجود صلة طبيعية بين لغة جماعة من الناس وبين هوية هذه الجماعة. فالناس يُعرّفون أنفسهم من خلال اللهجة التي ينطقون بها، فاللغة تتجلى في سلوك الفرد وينعكس ذلك على حياته بشكل جِلّي. لأن اللغة جزء من تركيبه الوضعي، واللغة هي الميدان الذي تتصارع فيه الولاءات السياسية، والاستخدام الواحد للغة  قد يدلّ على عدة أمور، على الشيء وضده  مثلا العجز والقدرة أو العبودية والانعتاق إلخ. ويبقى الشرط الضروري لإبقاء فسحة للتواصل الإنساني هو التأكد من أن رأسمال البشرية من العلامات اللغوية يظل متنوعا وغنيا.
     وفي سياق آخر، تحدثت الكاتبة عن جدلية كون ابن اللغة بالفطرة أم بالتعليم، ذلك لأن مجموعة من الناس يتقاسمون لغات مختلفة، الشيء الذي يستدعي مفهوم الأصالة (authenticity ) التي تهدف إلى استقطاب الانتماء العاطفي في الداخل والخارج على السواء، هذه اللغات المختلفة تفرض وجود ثقافات مختلفة مما يفضي إلى اختلاف الهوية الثقافية للأفراد متعددي الثقافة والألسن، ولتحقيق الانسجام بين الثقافات ينبغي على الأفراد الاعتراف بثقافة الآخر وكذا الاعتراف بهويتهم الاجتماعية سواء الاعتراف بالتماثل أو بالاختلاف.
    وفي آخر الكتاب تم إدراج بعض النصوص المختارة  مقتبسة من بعض المراجع كلها تلمس جانب من جوانب اللغة والثقافة، كما تم جرد أيضا تعاريف لأهم المصطلحات الواردة في الكتاب للوقوف عند معانيها بشكل واضح وكذلك تساعد لفهم مضمون الكتاب.

    تبيّن أن الكاتبة قد أحاطت بالعديد من المواضيع التي تدخل ضمن العلاقة التي تربط اللغة بالثقافة، لكن يبقى هذا الموضوع مفتوح دائما نظرا لتفريعاته المتعددة مما يتطلب البحث المستمر للاقتراب أكثر لفهم هذه العلاقة.
المراجع:

1 كلير كرامش، اللغة والثقافة، ترجمة .أحمد الشيمي، مراجعة .عبد الودود العمراني،قطر، الناشر: وزارة لثقافة والفنون والتراث، الطبعة العربية1: 2010، ص.3.
 مرجع سابق،ص.17.[2]
 مرجع سابق،ص.21.[3]
  مرجع سابق، ص.51.[4]
مرجع سابق،ص.82.   [5]

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قراءة تركيبية في كتاب " تدريس اللغة العربية وجديد النقل الديداكتيكي" للكاتبة ماجدولين النهيبي(2017)

قراءة في كتاب " منهاج اللغة العربية من خطاب الغايات إلى الأجرأة الديداكتيكية"

تعلن كلية علوم التربية عن فتح مباريات ولوج سلك الماستر برسم الموسم الجامعي 2018/2019